الموسيقى ليست حلال.. ولا حرام؟!

الموسيقى… والمفاجأة

سؤال ماهي وماتعريف الموسيقى؟ أخذ وقت طويل لأفهمه بشكل جيد (ومب كامل حتى).. وهذا بسبب أنه سؤال فلسفي مفتوح للنقاش بالعالم! لا العرب ولا الغرب ولا جميع الديانات أعطت وصف أو تعريف للموسيقى. منذ خلق الإنسان. ليه؟ (تحذير: Spoiler Ahead)

لأنها مجرد أصوات

إيه نعم، مافيها شي مميز أو مختلف… أصوات. اهتزازات. لكن تطلع بترتيب مختلف.. مالها شي مميز تقدر توصفها فيه! فقط ترتيب أصوات يعجبك او مايعجبك أو تقدر تقول: فن التحكم بالصوت عبر الزمن. ووصف من جانب آخر.. تذكر مواصفات الصوت بالصفحة السابقة؟

الموسيقى بشكل عام: هي أصوات قد يكون لها قوانين معينة بأرقام معينة لمواصفات الصوت، اذا مشيت عليها وشكلت مجموعة اصوات حسب هالقوانين بتطلع لك نتيجة يحس الانسان انها جميلة ولها ايقاع ورتم.

ليه قلت قد يكون لها قوانين؟

 لأن القوانين هذي مجرد اجتهادات من علماء واشخاص عشان ينظمون عملية انتاج صوت بحيث ممكن يعتبر كموسيقى جميلة ويمكن كتابتها/وصفها. لكن هل ممكن ماتتبع القوانين هذي وتطلع بموسيقى جميلة؟ طبعًا! قد يكون أصعب.. لكن كون الموسيقى مجرد صوت معناها مافيه شي معين يمنع أي صوت يكون موسيقى.. لو فيه صوت انت الوحيد اللي بالعالم تستمتع فيه.. هو موسيقى بالنسبة لك. ومجرد صوت ازعاج وليس موسيقى بالنسبة لجميع سكان كوكب الأرض. وعشان أوصف الفرق بشكل أحسن:

الفرق بين الكلام والموسيقى مثل الكتابة والرسم; بالقلم تكتب لتوصل معلومة او ترسم لتنتج فن ينجذب له الانسان.

 قوانين للموسيقى؟

مب الموسيقى مجرد صوت، مثل أي صوت؟ أجل كيف كل هالقوانين اللي تُدرّس بالموسيقى؟ ليه فيه آلات موسيقية مختلفة؟ قيتار، بيانو، عود..الخ وش سالفتها؟ وكل وحدة فيهم تطلع أصوات غريبة بالتأكيد هي الموسيقى. فيه شي غلط بالموضوع..!

عشان تفهم الموسيقى الحاليّة (سواء لتقدّرها أكثر، أو تكرهها أكثر)، بأحاول أن أختصر لكم (وبشدّة) حياة الموسيقى منذ ولادة الصوت.. لشكلها الحالي. لما تسمع أي موسيقى بعد هالموضوع.. سواء كان أناشيد أو عبر آلات.. بالتأكيد بيكون تفكيرك مختلف.

ولادة الحياة

من المعروف عند الكثير من الباحثين والخبراء بمجال الصوتيات انه في بداية الحياة، الإنسان ماتطورت عنده وسيلة التواصل باللغة مثل ماهي الآن ولفترة طويلة جدًا ماكان فيه وسيلة تواصل غير الإشارة والأصوات الغريبة. ومن جانب آخر، كانت الغابات مليئة بالاصوات المثيرة للانتباه، ألحان العصافير المتناغمة وأصوات الحيوانات أثناء هجومها.. وبسبب ان فطرة الانسان تميل وتلاحظ بسرعة تناغم الاصوات، وخصوصًا اذا كانت تسير على ايقاع او رتم واضح (مثل الطفل الصغير لما تصفّق له برتم واضح يبدأ يلاحظه ويمشي عليه او يقفز معك عليه); هذا طوّر وسيلة التواصل بين البشر لأصوات متنغامة في كثير من الحالات.. منها الاحتفال بصيد فريسة أو اعلان شيء معين. بعض الباحثين يقولون انه من هنا بدأت تتشكل أنواع الموسيقى المختلفة، حيث كثير من الجماعات والقبائل يشكلون لهم صوت معين يميّزهم سواء في الحروب او الصيد.. والصوت هذا يختلف حسب بيئة القبيلة. وبسبب انه لا شيء يخرج من العدم.. فتواجد الإنسان في بيئة بجانب حيوانات معينة يجعلها ملهمة له في تشكيل الأصوات لديهم. وهنا كانت أول ولادة للأصوات المتناغمة في الحياة… مستلهمة من الحياة نفسها (مقال لطيف). وهذا كله يعتمد على تعريف الموسيقى.. حيث البعض توصل لأنها مجرد كلام مليء بالمشاعر. (كتاب)

بداية الآلات الموسيقية – قبل ٤٣ ألف سنة

بكل تأكيد أول آلة موسيقية وجدت هي حُنجرة الإنسان، وأيضًا التصفيق باليدين بالإضافة للتصفير.. وبعدها بدأ الإنسان بمحاولة تقليد الأصوات هذه عبر الضرب أو النفخ في آلات موسيقية بدائية جدًا (بهدف التواصل). حيث تم اكتشاف أقدم آلة موسيقية ترجع لمزمار من عظم حيوان دب الكهف قبل ٤٣ ألف سنة! (الصورة تحت) ومن الواضح أن الإنسان أُعجب في وسيلة التواصل القوية هذه اثناء الصيد والحرب.. والاحتفال بعد الانتصار فيهم، وسعادة الاستماع للرتم الخارج منها، ومن هنا بدأت استخداماتها الأخرى.. وابداع المخ البشري في توظيفها.

أول آلة موسيقية بإستعمال الحبل (الأوتار)

بعد ثورة التواصل بالصوت، والأدوات البدائية المحدودة.. أول دليل لآلة موسيقية تستعمل الأوتار كانت قوس الصيد (وفيه اختلاف على كونها الأولى لأنه الدلائل قديمة قبل أكثر من ٤٠ ألف سنة ودقّتها محل نقاش)، وكانت طريقتها ان احد الاطراف يوضع بالفم لتغيير شدّة الحبل ليتغير الصوت الخارج من الوتر. وكانت هذه بداية اكتشاف الآلات ذات الأوتار من أجل اصدار الصوت.

الموسيقى والرياضيات – ٥٠٠ سنة قبل الميلاد

Gaffurio_Pythagoras

بعد آلاف السنين من ثورة الآلات الصوتية، تنوع استخدامها بشكل واسع جدًا بالعالم.. وكانت تستخدم في أشياء كثيرة من ضمنها تسلية الملوك للعبادات. النقلة التالية الكبيرة في الموسيقى جت من پيثاقوراس — عالم الرياضيات والفلسفة الشهير (صاحب نظرية فيثاغورس)، تقول الاسطورة أنه كان دائمًا معجب من الصوت والموسيقى.. وكيف ان الانسان يميل للأصوات الجميلة.. وفي أحد الأيام مر بجانب حدّاد يطرق بعدة مطارق، وبشكل غريب، پيثاقوراس أعجبه الصوت! وتناغم الطرق.. وفكرة أن صوت مطارق حدّاد جميلة كان شي محيّر جدًا بالنسبة له.. وكان بباله انه مهما كان الشي العلمي اللي يخلي الاصوات جميله احيانا ممكن يتحول لمعادلات رياضية. راح للحداد وشاف ادواته وراقبه اثناء العمل واكتشف فعلًا انه الاصوات جميلة لأن المطارق المصدرة للصوت كانت احجامها لها علاقة ببعض بنسبة صحيحة! (يعني أن المطرقة الثانية نصف حجم الأولى والثالثة ٢/٣ من حجم الأولى وهكذا).. وكانت هذه العلاقة ايضًا، وبشكل أهم، تنطبق على طول الأوتار في أي آلة موسيقية.. ومن هالقانون طلّع ٧ نسب رئيسية لأنواع الأصوات من أي آلة: بمعنى انه فيه طول رئيسي للوتر اللي يطلع صوت + ٦ اوتار أخرى بأطوال مختلفة بنسبة معينة ومن ثم الوتر الثامن يكون نفسه ولكن ضعف الحجم واللي بعده يقارن معه بنفس النسب.

بشكل آخر: لو تبي تطلع مجموعة اصوات من مجموعة اشياء معينة (اوتار مثلا أو صناديق) وتبي الاصوات تكون جميلة، لازم تكون احجامها (او اطوالها) لها علاقة ببعض بنفس هالنسب.. ويصير لما تضربها وتطلع اصوات منها.. الاصوات تصير متناغمة مع بعض وماتحس انها غريبه. بينما لو تجيب لك احجام عشوائية بيصير الصوت غريب ومب متناغم.

من بعدها أصبحت الأدوات الموسيقية تستخدم نفس النسبة في طول الأوتار، مثل البيانو بشكل واضح والقيتار حسب اماكن ضغط الاصابع وهكذا.. كان فيه مشكلة بسيطة انه الكل متفق على النسبة بين طول الاوتار لكن كم الطول الرئيسي؟ وش افضل طول يصدر صوت متوسط ومناسب؟، وبعد تطور العلم وأجهزة القياس، هذه السبع نوتات (أو قياسات) اتفقوا على ان الطول الرئيسي لابد يصدر تردد بمقياس ٤٤٠ هيرتز، وسموه بالنوته A. (مثال على ترددات البيانو) نعم، هذي السبع نوتات هي الشهيرة: C D E F G A B الموجودة في جميع أجهزة الصوتيات مثل القيتار والبيانو (لاحظ الصور).. ومعلومة أخرى.. هذه النوتات هي نفسها اللي يتم التدرب عليها في المقامات الصوتية والمشهورة بـ Do, Re, Mi, Fa, Sol, La, Ti. فهذي مجرد صياغة قرائية لكي يستطيع المنشد/المغني أن يتدرب ويغني على نفس النوتات الموسيقية بحنجرته (يدرب حنجرته لكي تكون بفعالية نغمة الآلة الموسيقية).

الأناشيد وكنائس دو ري مي – سنة ٥٠٠ الى ١٠٠٠ بعد الميلاد

بأعترف.. أنا سبقت الأحداث شوي بالمعلومة السابقة.. فبعد الاكتشاف السابق بألف سنة تقريبًا، كانت الكنائس في اوروبا مشهورة بالطقوس العبادية ومنها الانشاد، وكان بشكل عشوائي واجتهادي. لكن قسيس اسمه Gregory استحدث اسلوب جديد للإنشاد ويسمى Gregorian Chant، كانت فكرته انه يقوم بالإنشاد -عن طريق اقتباس الالحان والنوتات الموسيقية وتطبيقها بالفم- ببعض الكلمات من الانجيل كنوع من التقرب والعبادات. وكانت العبارات ولحنها ينقل شفهيًا، اصبح هذا الاسبلوب مشهور لدرجة انه تطلب نظام جديد ومنظم لتدريسه. بعدها في سنة ٩٠٠ بعد الميلاد تقريبًا، استحدث قسيس اسمه Guido de Arezzo طريقة تعليم إنشاد وكتابة نوتات انشادية هي اللي تعرف بـ  Do, Re, Mi, Fa, Sol, La, Ti الآن. كانت فكرتها انه أخذ بداية حروف كل سطر من قصيدة دينية (Ut queant laxis) كان المميز فيها ان بداية كل بيت يكون بصوت ارفع من اللي قبله أو بمعنى آخر نوتة أعلى وشكل منها اسلوب تعليم انشاد ذكي جدًا والمستخدم ليومنا هذا في الغناء والاناشيد والموسيقى (فديو لنشيد القصيدة بأحد الكنائس). واصبحت الكنائس بإمكانها تدريس اللحن الانشادي وايضًا تطوير طريقة كتابته عن طريق وضع نقاط فوق بعض الكلمات توضح النغمة. الصورة مثال لأحد الكتابات القديمة للحن.

وختامًا الى وقتنا الحالي

هكذا تحولت الموسيقى من مجرد أصوات، لنظام اجتهادي عن طريق الرياضيات والفن يسمح لك تشكّل أصوات بتناغم وابداعات من مشاعرك يستمتع بها الانسان. غالبية الآلات الموسيقية أيضًا كلها تتبع نفس القوانين، هدفها واحد.. انها تطلع مجموعة الأصوات المُتفق عليها. تقدر أنت الآن تسوي لك آلة موسيقية طالما خليتها تصدر اصوات بترددات النوتات المشهورة (طبعا مب بهالسهولة، فيه جوانب أخرى لكن هذه الفكرة العامة لتبسيطها). ومن جانب آخر… أناشيدنا الإسلامية مأخوذة من الكنيسة الأوروبية واللي بدورها أساسًا طلعت بالأناشيد عن طريق محاولة تقليد الأصوات والنوتات الموسيقية المترابطة بالمعادلة العبقرية. ملاحظة: فيه كثير معلومات بالتاريخ الموسيقي ما ذكرتها، وخصوصًا الموسيقى العربية وكون نوتاتها أكثر عن المذكورة وجوانب أخرى. لكن كلها تدور بنفس الفكرة، بالأخير هي قوانين اجتهادية للخروج بأجمل صوت (سواء بآلة موسيقية بشرية أو مصنوعة من خشب).

النهاية.. المفتوحة…

مريت على نعمة الأصوات ونعمة السماع.. وكيف نستطيع اننا نسمع أساسًا الى كيف شكلنا الاصوات حولنا ونطلعها بصورة ابداعية. ومازالت الموسيقى ليس لها تعريف.. لأن الأصوات الجميلة… موسيقى في اذن من يُعجب بها. (أصوات الانسان، الطبيعة، الآلات… كلها تحت مظلة واحد) ومن كان بمقدوره انه يستخلص تعريف للموسيقى من هذا البحث… فهذه أجمل هدية ممكن يقدمها لي.

سؤال اخير، وش اكثر  معلومة اعجبتك؟

أتمنى انكم استفدتوا.. جهاد..

الصفحات: 1 2 3


أفكار القرّاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *